الاحتجاجات بعثت رسائلها إلى الأطراف الثلاثة.. فهل من متلق؟ عدن..ثورة الجياع قد تلتهم الجميع

الجنوب الآن-خاص

كعادتها، تبرز مدينة عدن بصفتها التاريخية الرافضة لكل محاولات القهر والإذلال التي يتعرض لها اليمنيون جراء التردي غير المسبوق للأوضاع المعيشية والخدمية وانهيار مؤسسات الدولة المتزامن مع التدهور التاريخي للعملة المحلية، ما دفع أهالي هذه المدينة الثائرة للخروج والاحتجاج والتنديد بما يتعرض له الشعب من أزمات متلاحقة في ظل غياب الحكومة اليمنية وصمت المجلس الانتقالي الجنوبي وتبادلهما الاتهامات حول الجهة المسؤولة عن ذلك، واستمرار التجاهل من قبل التحالف العربي تجاه ذلك.

وبدأت مديريات صيرة، الشيخ عثمان، التواهي، خور مكسر، المعلا ودار سعد، قبيل انتصاف شهر سبتمبر الماضي، موجة الاحتجاجات الشعبية الرافضة لحالة الانهيار الاقتصادي والارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، ومطالبة السلطات باتخاذ إجراءات ملموسة لوقف نزيف العملة المحلية وتحسين الحالة المعيشية والخدمية.

وبعد مضي يومين فقط على انطلاق الاحتجاجات الشعبية بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن ومطالبها المشروعة، انبرى المجلس الانتقالي الجنوبي للتصدي لها وقمعها، على الرغم من دعمه وتأييده للاحتجاجات المماثلة التي شهدتها محافظة حضرموت الخارجة عن نطاق سيطرته.

وأعلن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، في الـ 15 من سبتمبر، فرض حالة الطوارئ في كافة محافظات الجنوب التي لا تخضع جميعها لسيطرته في مشهد جديد للتصعيد المتنافي مع اتفاق الرياض، بحجة "رفع الجاهزية القتالية والاستعداد لتنفيذ مهام قتالية" ضد مليشيات الحوثيين التي تقدمت في محافظة شبوة، في حين يبدو الهدف جليًا من خلال تأكيد دعوته للقوات الأمنية في عدن بـ"الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن والاستقرار وإثارة البلبلة والقلاقل".

وسرعان ما استجابت قوات المجلس الانتقالي لدعوة الزبيدي الثانية المتعلقة بفرض حالة الطوارئ في عدن من خلال نشر المئات من العربات العسكرية في شوارع المديريات لإخماد التحركات الشعبية وقمع المحتجين، بينما بقيت دعوته الأولى التي استند فيها على إعلان الطوارئ، والمتعلقة بالتقدم العسكري لمليشيات الحوثيين في شبوة، مجرد "ذريعة مفضوحة" كما يقول مراقبون.

ودفعت موجة الاحتجاجات الشعبية، اللجنة الرباعية الدولية بشأن اليمن، والمكونة من السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلى دعوة الحكومة اليمنية للعودة إلى عدن لممارسة مهامها في كبح الانهيار الاقتصادي.

معربة عن قلقها من انخفاض قيمة الريال اليمني وارتفاع أسعار المواد الغذائية وما في ذلك من تأثير شديد على الاقتصاد اليمني والوضع الإنساني الراهن.

وأكد البيان ضرورة عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، لافتة لما في ذلك من دور فعال في الإشراف على الدعم الدولي المستقبلي للانتعاش الاقتصادي، والتزامها بحل سياسي شامل للصراع في اليمن.

وحث البيان الحكومة اليمنية على سرعة اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للبدء بتحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن، مؤكداً التزام دول الرباعية بتقديم الدعم للحكومة وذلك عبر اللجنة الاستشارية الفنية الخاصة بالجانب الاقتصادي. 

واستمرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في توسعة عمليات القمع في عدد من مديريات العاصمة عدن، وقتل على إثرها شاب من أبناء مدينة كريتر، وأصيب آخرون، وهو ما زاد من حدة الاحتجاجات وضاعف مطالب المحتجين المطالبة برحيل المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته العسكرية من عدن وترديد هتافات مناهضة له.

 

الأمم المتحدة تتهم الانتقالي باستخدام القوة

 

واتهمت الأمم المتحدة، خلال بيان باسم مفوضيتها السامية لحقوق الإنسان مارتا هورتادو، مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي باستخدام القوة "غير الضرورية" ضد المدنيين في عدن.

وقالت هورتادو، إن "التقارير تفيد بأن قوات الأمن التابعة لسلطات المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتيا) استخدمت القوة غير الضرورية وغير المتناسبة ضد المتظاهرين المحتجين على تدهور الأوضاع المعيشية ونقص الخدمات العامة".

وبحسب البيان الأممي، فإنه في 15 أيلول/ سبتمبر الجاري استخدم العناصر "المكلفون بإنفاذ القانون" في عدة مناطق من عدن، الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين. مشيرا إلى أن المدنيين في جميع أنحاء البلاد يدفعون أثمانا باهظة، فيما تسيطر الجماعات المسلحة على الأراضي وتمارس السلطة متجاهلة تماما حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

وأعربت متحدثة المفوضية السامية للأمم المتحدة، عن قلقها البالغ حيال الوضع الحقوقي باليمن، متهمة جميع أطراف النزاع بـ"انتهاك" القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

"الأورومتوسطي" يطالب بفتح تحقيق مستقل

 

من جهته، طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بفتح تحقيق مستقل في جريمة قتل عدد من المتظاهرين السلميين في محافظات جنوب اليمن، خلال احتجاجاتهم على تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.

مشيرًا إلى أن القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قتلت الشاب "زياد زاهر" في مدينة "كريتر" بمحافظة عدن، وأصابت عددًا آخر من المتظاهرين.

وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، استخدمت القوة المفرطة لقمع المتظاهرين، ولجأت إلى استخدام الأدوات العنيفة لمواجهة التظاهرات السلمية ، دون أدنى التفات إلى حقهم في التجمع السلمي والتعبير عن آرائهم بحرية كما هم مكفول في الدستور اليمني.

وقالت مسؤولة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي "نور علوان": أنّ "إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ في المحافظات التي يسيطر عليها يمهد لمرحلة أكثر سوءًا في قمع التظاهرات وتقييد الحريات، لا سيما بعد السلوك العنيف الذي واجهت به قوات المجلس الانتقالي المتظاهرين"، محذرةً من توسّع عمليات قمع التظاهرات الشعبية بذريعة تطبيق حالة الطوارئ.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي على ضرورة التزام المجلس الانتقالي بالمبادئ الأساسية المتعلقة باحترام حق التعبير عن الرأي، وتجنب استخدام القوة العسكرية في مواجهة المدنيين المنهكين من النزاع المستمر في البلاد منذ نحو 7 سنوات.

مطالبا المجلس الانتقالي بالتوقف الفوري عن قمع الاحتجاجات السلمية، واحترام وحماية حق اليمنيين في التجمع السلمي والتعبير عن الرأي، واللجوء إلى لغة الحوار للاستماع لمطالبهم بدلًا من قمعهم وتشويه حراكهم.

كما دعا المركز إلى فتح تحقيق بحوادث قتل المتظاهرين، وتحديد المسؤولين عنها بمن في ذلك أولئك الذين أصدروا أوامر باستخدام الرصاص الحي ضد المحتجين العزل، وتقديمهم إلى محاكمة عادلة لمنع إفلاتهم من العقاب.

وحث المرصد الأورومتوسطي الأطراف ذات العلاقة بالأزمة اليمنية، ولا سيما السعودية والإمارات، بالضغط لوقف انتهاكات حقوق اليمنيين، والمساهمة بشكل فعّال في تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في اليمن، وإنهاء تدخلهما العسكري في البلد الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

محليًا، عبر الائتلاف الوطني الجنوبي، عن تضامنه الكامل ووقوفه المطلق مع المتظاهرين السلميين في محافظتي عدن وحضرموت في مطالبهم المشروعة.

معتبرًا في بيان له، أن الأوضاع التي وصلت إليها عدن ومدن أخرى من انفلات أمني وانهيار العملة وغلاء المعيشة وتردي الخدمات الأساسية، نتيجة حتمية لعدم تطبيق الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض.

وحمل البيانُ الطرفَ المعرقل، لتنفيذ الشق العسكري والأمني (يقصد المجلس الانتقالي) من اتفاق الرياض، المسؤولية عن السوء الذي آلت إليه الأوضاع، داعيا إلى تمكين الحكومة ومؤسسات الدولة من القيام بواجبها في تطبيع الأوضاع وتوفير الخدمات والاهتمام بالاقتصاد.

وعلى صعيد متصل، دعا رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي، فؤاد راشد، قيادات وقواعد المجلس إلى التفاعل مع القضايا المجتمعية المتصلة بحياة المواطنين ودعم انتفاضة الشباب الأحرار ضد تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء الخدمات.

 

 

عدن تبعث رسائلها العاجلة

 

وتبين هذه الاحتجاجات الشعبية في عدن، حجم "أكذوبة التفويض الشعبي" للمجلس الانتقالي الجنوبي التي تتشدق بها قيادته، وأثبتت أن المجلس لا يجيد إلا الانتهازية في جميع مواقفه، حتى في خيارات الشعوب ومطالبها، ويتجلى ذلك من خلال دعمه لاحتجاجات حضرموت وقمه لاحتجاجات عدن القابعة تحت سيطرته، كما أن تنسف كل مزاعم تمثيل المجلس الانتقالي الجنوبي للجنوب.

وتؤكد الاحتجاجات الشعبية، رفض أهالي عدن لكل محاولات الاستغلال لمعاناتهم التي يمارسها الانتقالي الجنوبي، باعتبارها ورقة سياسية يمكن استخدامها في تضارب مصالحة مع الحكومة اليمنية الشرعية التي دفع لإخراجها من عدن في مارس المنصرم، ثم عاد ليطالب بعودها مجددا وممارسة مهاما، دون تحمله لأدنى مسؤولية. كما أنها تأتي كتأكيد على أن "الكيل قد طفح" من حالة العبث المتواصلة التي قدمها الانتقالي الجنوبي كأنموذج لمشاريعه التي لا ترى عدن إلا كغنيمة مستباحة يمكن الاستيلاء على مواردها المتعددة والسطو على أراضيها وأملاك مواطنيها، مقابل بضعة شعارات.

وتعتبر هذه الانتفاضة الشعبية في عدن، بمثابة رسائل للحكومة الشرعية التي تنصلت عن واجباتها ومسؤولياتها والقيام بدورها المنوط بها كحكومة تكترث بحياة مواطنيها ومعاناتهم التي باتت تطال لقمة معيشتهم وتمس حياتهم اليومية، يؤكد خلالها أهالي عدن أن دعمها ضد المليشيات الحوثية ليس "شيكًا على بياض" يتسامح مع غياب دورها الفعلي وتذرعها بسيطرة المجلس الانتقالي على المدينة.

كما أن هذا الحراك الشعبي، يحمل رسالة إلى المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي، تؤكد أن أبناء عدن أصبحوا "لاعبًا جديدًا" في الخارطة الجنوبية ولم يعد تساميهم على جراحهم واستغلال أوجاعهم ممكنًا لأي طرف.

وهي دعوة إلى التحالف العربي إلى وجوب فرض اتفاق الرياض واستكمال فوري لبنوده المتعثرة ووقف أي عمليات تذرع من جانبي الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بما يضمن حالة الاستقرار الفعلي للمواطنين، أو إعلان فشل الاتفاق وإنهاء حالة العبث الجارية واستنزاف الشعب.