مشروع استعادة الدولة الجنوبية في موازين القوى الإقليمية والدولية.... تقرير خاص

الجنوب الآن (عبدالرحمن الفهد) خاص

تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية عودة الدولة الجنوبية, واقتراب المجلس الإنتقالي من تحقيق مطلب الانفصال , بعد ان تمكنت قوات تابعة له وبدعم من دولة الإمارات، من السيطرة على مدينة عدن وأجزاء من محافظة ابين, بعد معارك خاضتها قواته مع قوات الحكومة الشرعية في اغسطس الماضي.

 

ووسط هذه الأحداث يتبادر الى الذهن موقف القوى الإقليمية والدولية من خيار الإنفصال ومدى واقعية هذه الشعارات في موازين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف اليمني.

الإمارات

في طليعة الدول التي لها تأثير على المشهد اليمني دولة الإمارات والتي تعتبر الداعم الوحيد للمجلس الإنتقالي, والمغذي الرئيسي لخطاب انفصال جنوب اليمن , من خلال دعمها لوسائل الإعلام التي تتبنى خيار الانفصال ,وتروج له في الأوساط الجنوبية ,فضلا عن إنشائها قنوات تلفزيونية تهتم بأنشطة المجلس الانتقالي وفتح قنواتها الرسمية أمام من يطالب بخيار الانفصال.

 

إلا ان مراقبون يرون أن الإمارات لم تعلن أي موقف رسمي واضح يؤيد خيار إنفصال الجنوب عن الشمال, بل أن بياناتها الرسمية غالبا ما تؤكد على وحدة اليمن واستقراره, إضافة الى دعمها قوات شمالية, يقودها العميد طارق محمد عبدالله صالح نجل شقيق الرئيس السابق على عبدالله صالح وقائد القوات الخاصة في عهده, وإنشاء معسكرات تابعة له في قلب مدينة عدن, وهو ما فٌهم على انه رسالة طمأنة من الإمارات للنخبة السياسية في الشمال, بأن دعمها للمجلس الإنتقالي لن يكون من أجل الانفصال, وإنما بهدف الضغط على الحكومة الشرعية لترتيب بعض الملفات, والتخلي عن العلاقة مع حزب الإصلاح, الذي تعتبره جزءا من مشروع الإسلام السياسي الخصم الأبرز لدولة الإمارات.

السعودية

جزء من موقف المملكة العربية السعودية من الوحدة والانفصال مرتبط بمضامين اتفاقية الحدود " معاهدة جدة " التي وقعت بين اليمن والسعودية في عام 2000م لترسيم حدود الدولتين, والتي التزمت السعودية مقابل موافقة اليمن على الإتفاقية ,والتوقيع عليها, بعدم دعم أي قوى يمنية تحاول تقسيم البلد, أو تسعى للتمرد على الدولة, ولذلك يستحيل ان تقف السعودية الى جانب خيار الانفصال لأن ذلك يعني الغاء معاهدة جدة.

 

وللسعودية حسابات أمنية أخرى لعل أبرزها أنها المتضرر الأول من إنهيار الدولة اليمنية , بحكم الحدود المشتركة التي تمتد على طول ولا يمكنها تحمل أعباء نشوب حرب أهلية جديدة, قد تؤدي لنزوح مئات الآلاف من اليمنيين باتجاه السعودية, ولذلك عبرت المملكة العربية السعودية بعد أحداث عدن, في أكثر من بيان رفضها لأي محاولة لإسقاط الحكومة الشرعية, او فرض مشروع الانفصال بالقوة , واعتبرت ما قام به المجلس الانتقالي في مدينة عدن تمردا على الشرعية, ودعته الى الخروج من المعسكرات وتسليم المؤسسات الحكومية, وعدم التدخل في مهام الحكومة الشرعية.

بريطانيا

اما المملكة المتحدة فلا تزال تحن الى العودة الى عدن, ولكنها غير قادرة على دعم خيار الانفصال بوضوح, في هذا الظرف التي تواجه فيه الحكومة البريطانية عددا من الأزمات, التي نتجت عن قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوربي , والذي قوبل بمعارضة شديدة من حكومتي اقليمي اسكتلندا وايرلندا الشمالية , مهددتان بالذهاب نحو خيار الاستفتاء, لاستقلال الاقليمين عن المملكة المتحدة, في حال قررت الحكومة الإتحادية الخروج من الاتحاد الأوربي بدون إتفاق مع القادة الأوربيين.

أمريكا

اما الولايات المتحدة فتفضل الحفاظ على شكل الدولة اليمنية, خوفا من انزلاق البلد نحو الاحتراب الأهلي, الذي قد يوجد بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة, ويٌمكنها من إعادة تكوينها, بعد ان نجحت الحكومة اليمنية ودول التحالف وبدعم أمريكي من طردها من حضرموت وابين.

 

وتتمتع الحكومة الأمريكية بعلاقة مميزة مع دولة الوحدة , مكنتها من توقيع اتفاقيات أمنية, تتيح لها التدخل من خلال الطائرات المسيرة, لاستهداف عناصر الجماعات المتطرفة, والتدخل على الأرض, من خلال عناصر المارينز الذين يتواجدون في أكثر من قاعدة عسكرية يمنية, ولا يمكنها المغامرة بالتضحية بهذه الامتيازات لصالح وضع جديد, لم تتضح ملامح سياسته, وتحالفاته الإقليمية والدولية بعد.

روسيا

لم يتضح بعد موقف روسيا من خيارات الوحدة والانفصال, إلا أنها تملك علاقة مميزة مع حكومة الجمهورية اليمنية, وتحتكر روسيا صفقات تسليح الجيش اليمني, منذ قيام الوحدة اليمنية, ويمثل السلاح الروسي اكثر من90% من اجمالي تسليح الجيش اليمني.

ايران 

لا تهتم الدولة الإيرانية بمسألة وحدة دول المنطقة من عدمها, فكل ما يهم إيران هو مشروعها التوسعي, سواء بالوحدة او الانفصال , وستدعم الوحدة اذا ضمنت مستقبل حلفائها في القرار السياسي للدولة اليمنية, وقد سبق لها ودعمت الحراك الجنوبي, ومولت عددا من وسائل الإعلام التابعة للحراك منذ 2010 حتى 2015, العام الذي سيطرت فيه القوات التابعة للحوثي على العاصمة صنعاء, ومعظم المحافظات اليمنية .

فرنسا

كان الكثير من المراقبين للمشهد الجنوبي, يراهنون على موقف فرنسي داعم لتحركات المجلس الإنتقالي , ومواجهة أي تحركات في مجلس الأمن لإدانة الإنتقالي او دولة الإمارات, بحكم العلاقة التي تربط فرنسا بدولة الإمارات, وتَشارُكِها مع الإمارات في أكثر من ملف, من الملفات الإقليمية, كـ دعم فرنسا لقوات خليفة حفتر في ليبيا بالسلاح, والمستشارين العسكرين, ودعم الإمارات للتدخل العسكري الفرنسي في دولة مالي, لمحاربة المسلحين الإسلاميين عام 2011م, إلا أن مواقف فرنسا الأخيرة ولقاء سفيرها لدى اليمن بنائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح وتأكيده على أهمية دور الإصلاح في مستقبل اليمن , قطع الطريق أمام التكهنات التي تحدثت عن دور فرنسي داعم للمجلس الإنتقالي.

الصين

في عام 2013م ألغت الحكومة اليمنية اتفاقية تأجير ميناء عدن لحكومة دبي, واعلنت خلال زيارة الرئيس هادي الى الصين, في العام نفسه, عن توقيع اتفاقية جديدة مع الحكومة الصينية, لتطوير الموانئ اليمنية "عدن- المخأ – الحديدة – ميدي" إلا أن الاتفاقية لم تنفذ نتيجة تطور الأحداث, وانقلاب الحوثيون على الرئيس هادي عام 2014م, وتدخل دولة الإمارات ضمن التحالف العربي, الذي تقوده السعودية, وسيطرتها على مينائي عدن والمخاء, والتي ترى في الدور الصيني المتمثل في مشروع "طريق الحرير الصيني" تهديدا استراتيجيا لميناء دبي, ونفوذ شركة موانئ دبي في الممرات البحرية. 

 

 

 

ومن هذا المنطلق تراهن الحكومة اليمنية, على الدور الصيني في معركتها مع الإمارات, باعتبار الإمارات هي أبرز أعداء مشروع طريق الحرير الصيني, الذي تراهن عليه الحكومة الصينية في تعزيز نفوذها الإقتصادي, وفتح الأسوق العالمية للمنتجات الصينية.