رواية الشوك والقرنفل لـ يحيى السنوار..الوجه الآخر للقائد السياسي والعسكري المخضرم

 

تكشف هذه الرواية عن خلفية معرفية وأدبية للقائد السياسي يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة، الذي تعرض منذ وقتٍ مبكرٍ للملاحقات والاعتقال والسجن لأكثر من عشرين سنة، والأحكام القاضية بالسجن المؤبد أكثر من مرة، وشاءت إرادة الله تعالى أن يخرج من سجون الاحتلال إلى قيادة حركة حماس في معقلها المنيع- قطاع غزة، حيث نشأت حماس وانطلقت- وحيث نشأ هو وكثير من قادة المقاومة الفلسطينية، وكذلك أبطال روايته "الشوك والقرنفل".

وتأتي أهمية الرواية من أهمية مؤلفها الذي يعد أحد قادة المقاومة الفلسطينية، وهو ضمن القيادات المطلوبة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تحمله مسؤولية الهجوم الذي تعرضت له بداية أكتوبر الماضي، والمعروف باسم عملية "طوفان الأقصى"، وتعتبره عليه صفة مهندس الهجوم الذي أسفر عنه مقتل وجرح وأسر المئات من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي. 

وهي رواية تتناول قصة فلسطين منذ نكسة حزيران 1967 التي نجم عنها احتلال إسرائيل مناطق جديدة، وتركز على معاناة الشعب الفلسطيني، وأبرز صور المعاناة تهجير الملايين من مساكنهم إلى العيش في الشتات داخل الوطن وخارجه.

كتب القائد يحيى السنوار روايته وهو خلف القضبان في سجن بئر السبع، وقد انتهى من كتابتها في ديسمبر 2004. وقام بعض السجناء بنسخها وإخفائها عن عيون الصهاينة حتى لا تطالها أياديهم، وظلت الراوية تتنقل بين المقاومين الأحرار داخل السجن في سرية تامة، حتى وجدت طريقها إلى خارج أسوار السجن، لترى النور وتصبح في متناول القراء والمتابعين.

تقع الرواية في 340 صفحة موزعة على 30 فصل، ومقدمة مختصرة قال فيها المؤلف:

"هذه ليست قصتي الشخصية، وليست قصة شخص بعينه، رغم أن أحداثها حقيقية، كل حدث منها أو مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك"، ويضيف السنوار: "الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية تدور حول اشخاص محددين ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي، عشته وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه هم وأهلوهم وجيرانهم على مدار عشرات السنين، على أرض فلسطين الحبيبة".

أما الإهداء فإن الروائي يهدي روايته إلى "من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء والمعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط".  

تتناول الراوية الأحداث التي عاشتها غزة وبعض مناطق فلسطين، كتبها المؤلف بلسان الشاب/ أحمد أصغر أبناء أسرة "الصالح"، الأسرة التي هجّرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 من بلدة الفلوجة ثم استقرت في مخيمات غزة. وتمر السنوات وتفقد الأسرة عائلها ويصبح الأطفال بلا عائل، لكنهم يكبرون وسط المعاناة التي تكبر هي الأخرى، بيد أن الصغار صاروا شبابا، التحق أكبرهم بحركة فتح وأصبح أحد قادتها، وغدا اثنان من إخوته ضمن أجهزة الشرطة الفلسطينية التي تولت إدارة غزة بعد توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيما التحق ثلاثة آخرون بحركة المقاومة الإسلامية- حماس، وصار أحدهم قيادياً بارزاً فيها، وفي كتائب القسام- الجناح العسكري لحماس. 

الرواية تتناول في الغالب شخصيات من نسج الخيال- كأي عمل روائي، لكن الأحداث فيها حقيقية كما يقول المؤلف في المقدمة، بل إن أحداث الرواية هي جزء من تاريخ فلسطين شعباً وأرضاً وقضية، كما أنها تتناول جانباً من حياة بعض القادة الأبطال الذين كان لهم دور في إذكاء جذوة العمل الفلسطيني المقاوِم، أمثال الشهيد المهندس/ يحيى عياش، الذي مرت بنا قبل يومين ذكرى استشهاده. وقبله الشهيد القائد عماد عقل المولود في مخيم جباليا منتصف العام 1971، الذي أصبح أحد أبرز قادة العمل الفدائي في حركة حماس، واحتضن حي "الشجاعية" في غزة آخر محطات حياته عندما خاض معركته الأخيرة ضد العدو الإسرائيلي حتى استشهد وهو يواجه جيشاً مدججاً بكل أنواع السلاح أواخر نوفمبر 1993.

وكاتب الرواية إذ يصهر الحقيقي بالخيالي، فإنه يعمل على صهر المعاناة بالغاية الأسمى للنضال والفداء والتضحية، كما يمزج بين الآلام الناجمة عن الاحتلال وجرائمه اليومية وانتهاكاته المستمرة من جهة، والآمال التي بعثتها المقاومة الباسلة، وأشعلتها الانتفاضة المباركة، انتفاضة الحجارة أولاً، ثم انتفاضة الأقصى ثانياً، ولا زالت الآمال مشرعة أمام شعب أبي يرفض الضيم، ويعلم العالم كل يوم درساً جديداً في التضحية والدفاع عن الأرض والكرامة والوطن.

وهي حين تسلط الضوء على المعاناة، لا تغفل الحديث عن أشكال المقاومة التي اجترحها الشعب الفلسطيني خلال أكثر من 70 سنة، تضعف تارة، ثم تشتد، وتتراجع حيناً، لكنها لا تلبث حتى تشتعل من جديد، تخبو جذوة المقاومة والعمل الفدائي في أراضي 48 لكنها تزيد اشتعالاً في الضفة الغربية، وقد تتراجع وتيرتها في غزة لكنها سرعان ما تتصاعد في الخليل أو في القدس أو تل أبيب. بمعنى آخر، في الرواية يجتمع شوك القهر والألم مع قرنفل المقاومة والأمل، شوك التشريد والقتل والتهجير، مع قرنفل الصمود والنضال من أجل الحرية.

تجتمع في الرواية بعض التفاصيل اليومية للأسرة الفلسطينية، مع الأحداث الكبرى التي يصنعها أولئك الأفذاذ الذين يبدون للوهلة الأولى مجرد أشخاص عاديين، يبحثون عن أبسط مقومات الحياة وسط مخيمات اللاجئين، لكنهم لا يلبثون حتى يفاجئوا العدو بالضربات الموجعة التي لا يفيق من إحداها حتى تباغته أخرى، وذلك هو قَدَر شعب الجبارين. وما عملية طوفان الأقصى التي كان السنوار نفسه أحد قادتها إلا صفحة في كتاب المقاومة الفلسطينية، بدأت بالحجر والمقلاع والزجاجات الحارقة، لكنها استمرت وتصاعدت حتى باتت مصدر رعب لجيش الاحتلال الصهيوني الذي ظل يتباهى بأنه هزم 6 جيوش عربية في بضع ساعات عام 1967.

يحيى السنوار المولود في مخيم خان يونس عام 1962، ينتمي إلى عائلة هجّرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 من مدينة عسقلان إلى قطاع غزة، وقد حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الإسلامية في غزة، وكان في طليعة مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس، اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1988، وحكمت عليه بالسجن المؤبد أربع مرات بتهمة قتل جنود صهاينة.

وفي العام 2011 أطلق سراحه ضمن صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مع 1027 أسيراً شملتهم الصفقة. واستأنف بعدها عمله في حركة حماس وجناحها العسكري، حتى تم انتخابه رئيساً للحركة في قطاع غزة مطلع العام 2017.

مقالات الكاتب