عدن النور

لم تتعاف عدن من آثار صراع سياسي حتى يحل بها آخر، وكأن قدر هذا المدينة العيش في خضم أزمات كارثية لا ناقة لها فيها ولا جمل.

الكل يطمع فيها، والكل يتنكر لها ويدير ظهره لاستحقاقات المدينة، يأخذون منها دون أن يعطوها، أو على الأقل يكفون أذاهم عنها ويدعونها تنعم بشيء من سلام وأمن.

تحررت عدن من غزو مليشيات الحوثي، لكنها ما زالت تبحث عن ذاتها، عن مكانتها التي تليق بها كمدينة احتضنت البحر والبشر دون تفتيش في هوياتهم، لكن القادمون اليها جعلوا التفتيش في هويات أبناء عدن برنامج سياسي لهم واجب التنفيذ بوصفه استحقاق ثوري من طراز جديد.

عدن وقفت على اقدامها لمواجهة الغزوة الحوثية، بينما هرب الجميع وتخلوا عن مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية، منهم من فضّل أن تحترق مخازن السلاح على تسليمها لأبناء المدينة للذود عن أنفسهم وكرامتهم، ومنهم من انتظر وعدٍ حوثي بتمكينه زمام المدينة بمجرد السيطرة عليها، وبين الفريقين خرج أبناء عدن من (حوافيهم) حفاة بما يملكون من ايمان بحقهم في مدينتهم، رافعين راية المقاومة وأصوات مآذن المدينة تنادي بالصمود والثبات.

ليس غريبًا على عدن ذلك الفعل، فقد جسدته في مراحل كثيرة، نتذكر منها ايضًا حرب صيف 94.

هي المدينة التي يظهر ابنائها في الشدائد ليملئوا الفراغ الذي تركه أولوا النعم المولون للدبر، الهاربون بالغنائم والمنتظرون على قارعة طريق الفيد.

انتصرت عدن بابنائها الذين قدموا درسًا في الفداء والبطولة، لكن (حمران العيون) عرفوا من أين

يخطفون الانتصار وينسبونه اليهم، ويتصدرون المشهد وحدهم دون شريك. 

ليس هناك مدينة في العالم تشع نورًا لمجرد عودة شخص اليها زائرًا كان أو مقيما، فما بالكم بعدن؟

احموا عدن إن كنتم تحبوها فعلًا لذاتها، وليس بوصفها ساحة صراع بحثًا عن سلطة زائلة، احموها من خلال الحفاظ على مدنيتها وتعزيز هويتها وثقافتها والانتصار لكوادرها.

لأنه عند احتدام الأمر لن يبقى إلا هي وابنائها في الواجهة والمواجهة. 

وتذكروا جيدًا أن المقاوم لا يثري، والمناضل لايثري، والثائر لايثري.

من يفعل ذلك إذن؟

هو اللص وان تعددت صوره واشكاله.