الحالة اليمنية بين الواقع والغموض

الجنوب الآن - صفحة الكاتب بفيسبوك

القلب الديموغرافي لشبه الجزيرة العربية، اليمن، البلدة التي لم تشهد حالة استقرار طويل منذ عقود، الجغرافيا التي ظلّت البداوة تعرقل الاستقرار السياسي فيها منذ زمن الأجداد الأول، عملت القبيلة والفرز الهوياتي عن العرق والمنطقة على إضعاف الحكومات المركزية فيها، وأنتجت مجتمعات أقل تماسكاً في مواجهة الظواهر التحررية؛ والتي قلّما تبزغ في مجتمعات معقدة التركيب ولا تؤمن بالديمقراطية إطلاقاً..!

 

الوطن الذي يذبحه أبناءه كل نهار، يدفعونه بأيديهم إلى الهاوية ولا يكترثون لمصير الأجيال. خلاصة المجتمع المجزّأ، وثمرة شرق أوسطية تعصف بها الجبال والصحاري في كل حقبة حكم، مجتمع يتأرجح بين المركزية والفوضى، وعلى الرغم من الهشاشة المتأصلة فيه؛ فقد فشل في إقامة مؤسسات دائمة، حيث تتسم القبائل والشحن المناطقي بقوته والسلطات بضعفها في كل المراحل..!

 

أسهمت دول الجوار على تغدية القبيلة والنزعات المناطقية بشكل كبير، وشراء الولاءات المتعددة هنا وهناك، وذلك لضمان خلخلة البنية السكانية، وبقاء يمن تحكمه الفوضى والنزاعات على المدى البعيد، يمن هش قابل للتفكّك والتآكل فيما بينه في ظل أي متغيرات لإحداث تغيير إيجابي في عقل الدولة، وانحساراً لكل فرص النهوض التي قد تأتي مستقبلاً..!

 

الخليط القبلي في هذه البقعة الجغرافية، جعل الصراع يفشل من أجل إقامة نظام ليبرالي يحمل أرضية صلبة تدافع عنه، التركيبة الديموغرافية أنتجت منه مكان يصعب حكمه على الإطلاق، بلاد لزجة كلما اعتقد طرف أنه أمسك بمفاصلها، سرعان ما تنفلت من بين يديه، أرض مائعة، تأريخها سائل، وإنسانها متقلب المزاج على الدوام..!

 

 إلى جانب وجود هذه المعضلة؛ ساهم عدم وجود أو غياب الأحزاب والكيانات المدنية الفاعلة في الساحة السياسية، والتي لم تكن تحضى بتأثير قوي وفاعل يقود لتغيير مجرى الأمور والأحداث في المجتمع في الفترات والمنعطفات العصيبة، بل كان تأثيرها حصراً على أفرادها وقواعدها التنظيمية وخدمة أجنداتها الخاصة وليس مصلحة الدولة العليا وإخراجها من الأزمات، كما أنها لم تستطع إبراز قيادات سياسية قادرة على إحداث حراك سياسي يؤسس لدولة رغم وجود الفرص الكثيرة التي أُتيحت أمامها.

 

 صقر جحاف

مقالات الكاتب