نـسـاء الـضـوء
غيداء الناخبي
عندما اشتد القيظ، وذاب الصبر تحت لهيب انقطاع الكهرباء، لم تولد البطولات من مكاتب السلطة والحكومة، ول...
من هنا من قبلة الجيش ومدرسته الأولى من عرين الأسود، نُسجت حكاية صمود لا تنسى .
حكاية كُتبت بسواعد الرجال وعزائم الأبطال، في زمن قست فيه الظروف، وشحّت فيه الإمكانيات، لكن الروح لم تخبُ، والإرادة لم تلِن والوفاء يتجدد
إن الفضل، أولًا وآخرًا، يعود إلى الله، ثم إلى القرار الشجاع والحكيم بإعادة تأهيل الكلية الحربية، هذا الصرح الوطني العظيم الذي شكّل على مرّ التاريخ حجر الزاوية في تأسيس جيش وطني محترف وقدم للوطن قادة عظماء خلدهم التاريخ
ولا ننسى هنا الدور العظيم لقيادة الكلية، ممثلة بالمدير ونائبه، وهيئة التدريس والمعلمين، أولئك الذين صمدوا بصبرٍ وجلدٍ نادر وظلوا على عهد الوفاء ،ثابتين كالجبال، ماضين نحو هدفهم النبيل، رغم شحّ الموارد وضيق الحال. لقد حفروا، بمخالب الإصرار، أساسًا جديدًا لبناء نظام عسكري محترف يعيد للجيش هيبته ومجده.
كانوا ولازالو راسخين طوداً بعد طود، واقفين بشموخ، حاملين على عاتقهم حلم أمة ووطن. وما كان لكل هذا أن يتحقق لولا وجود قطاع الطلبة إلى جانبهم ايظا، فقد كانوا وقودًا للعزيمة، ونارًا عسكرية تشحذ الهمم، وتبني الأبدان والعقول.
تلك الثلّة من القادة والمعلمين وقطاع الطلبة، وحتى الطلاب الذين احتملوا مشاق التدريب، وضغط المهام وسير التعليم، والتزموا بتطبيق الأنظمة واللوائح، صنعوا من الكلية منارةً للانضباط، وصرحًا للعلم والوفاء، يعيد سيرة الأجداد وتراث الأجيال.
أما نحن، طلاب الدفعة الثالثة جامعيين فقد صمدنا ما يقارب العام، بمرّه وحلوه، بشدته ومرارة تدريبه، وثقل أمانته. أدركنا داخل هذه الأسوار دروسًا لا تُدرّس خارجها، وتعلمنا من الكلية ما لم نتعلمه في أي مكان آخر.
كانت الكلية بحق نارًا على علم، حين نكون داخلها نشعر أننا في عالم مغاير، عالم تحكمه الأنظمة والانضباط والهيبة. قرئت علينا لوائح الكلية، فحفظناها، ومارسناها، ملزمين حتى أصبحت سلوكًا طبيعيًا في حياتنا اليومية. وتحوّل الإلزام إلى قناعة، والواجب إلى إنتماء.
بدا لنا، في كثير من الأحيان، أن الكلية الحربية ليست مجرد مؤسسة، بل دولة مصغرة، بنظامها وهيبتها وقادتها، تُخرّج الرجال وتبني القادة.
وها نحن اليوم، نطوي هذه الصفحة بشرف وفخر، ونفتح أخرى بعنوان "الوفاء"، نجدد فيها عهدنا لديننا، ووطننا، وقيادتنا، ومعلمينا، ما حيينا.
المجد للكلية الحربية، والمجد للجيش والوطن